الرئيسية دراسة بالأرقام …حقائق حول العجز الغذائي العربي

بالأرقام …حقائق حول العجز الغذائي العربي

كتبه كتب في 22 مارس 2022 - 9:16 ص

تبدو الحرب الروسية الأوكرانية ككرة الثلج المتدحرجة التي تمتد توابعها من البعد العسكري والسياسي إلى التأثيرات العميقة على الأسواق العالمية والإمدادات في المواد الإستراتيجية كالغاز والنفط، وخصوصا السلع الغذائية الرئيسية، في وقت مازال العالم تحت تأثيرات جائحة كوفيد 19 على مستوى الأمن الغدائي

ويقع العالم العربي في قلب هذه الأزمة على اعتبار أن معظم بلدانه تعتمد على الواردات الأوكرانية والروسية في منتجات القمح والشعير والزيوت النباتية واللحوم وغيرها.

وفي وقت أعلنت فيه أوكرانيا وقف تصدير معظم تلك المواد، تعطلت الموانئ والشحنات وارتفعت الأسعار عالميا إلى مستويات قياسية، بما يؤثر على أسعار التكلفة والموازنات العامة للدول العربية، خصوصا إذا طالت الأزمة أو توسعت واتخذت الدول المنتجة إجراءات كالحد من التصدير أووقفه.

وتفيد الأرقام أن أوكرانيا تعد خامس أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية سنة 2020، بينها نحو 40% لدول عربية، في حين تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر واليمن والجزائر وتونس والسودان وعمان والإمارات وليبيا.

وبينما تشكل الدول العربية نحو 5% من سكان العالم، تستورد نحو 20% من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، ولا تنتج سوى 2.5% من المحصول العالمي للحبوب. وتستورد نحو 63% من احتياجاتها من القمح، وتحتكر لوحدها في المتوسط نحو 25% من صادرات القمح العالمية.

وتعد مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، ذلك أنها تستورد 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، بغلاف مالي بلغ مجموعه 4.67 مليارات دولار سنة 2019، ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي نحو 18 مليون طن، رغم أنها تصنف غالبا ضمن المراتب العشرين عالميا من حيث الإنتاج بنحو 9.3 مليون طن سنة 2020. كما جاءت المغرب ضمن قائمة أكبر 15 دولة مستوردة للقمح

وبشكل عام تستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا إضافة إلى فرنسا ورومانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في توريد العالم العربي بالحبوب، نظرا لسعرها المنخفض في البلدين لأسباب تتعلق بالنوعية وقلة الجودة -وفق بعض التقارير- وتكلفة الشحن المنخفضة نسبيا

ورغم أن الدول العربية الأخرى، خصوصا الخليجية، تستورد شحنات من القمح الأوكراني أو الروسي فإنها تعتمد سياسة تنويع المصادر، كما أن ملائمتها المالية ومواردها واحتياطاتها تساعدها على تجاوز الأزمات العالمية وارتفاع الأسعار.

وبينما أعلن العراق أنه حقق اكتفائه الذاتي من القمح للعام الثالث على التوالي بحجم إنتاج بلغ 4 ملايين طن عام 2021، فإنه يستورد نحو مليون طن سنويا خصوصا من الولايات المتحدة وأستراليا.

وكان المغرب قد أعلن أن محصوله بلغ نحو 10 ملايين طن سنة 2021، إلا أنه درج على استيراد نحو 3 ملايين طن سنويا لتغطية العجز.

وقبل 2011 كانت سوريا تحقق اكتفاءها الذاتي من القمح ومعظم الموارد الزراعية، لكن الحرب أثرت بشكل كبير على المساحات الزراعية ومعدلات الإنتاج والأمن الغذائي

ولاتقتصر  حاجة البلدان العربية الغذائية على القمح فقط، فهي عمليا تستورد معظم المواد الغذائية الأساسية كالسكر واللحوم والذرة والشعير والأبقار والأغنام بدرجات متفاوتة، وبالتالي تبقى في أمنها الغذائي رهينة بتقلبات الأسواق العالمية والأزمات الكبرى والمناخ، كما يحصل حاليا بتفجر أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا، وكما حصل خلال أزمة الإغلاقات والشحن في أوج انتشار فيروس كورونا في العامين الماضيين

في حين حققت بلدان عربية اكتفاءها الذاتي نسبيا من بعض المواد الغذائية الأساسية كالخضر والفاكهة والبيض والأسماك والحليب والألبان، فإن بعضها ما زال يعتمد بشكل كبير على الواردات، يأتي جزء منها ضمن التجارة البينية العربية.

ورغم الفوارق بين بلدان العالم العربي في نسبة العجز الغذائي والاعتماد على الواردات، بحكم العوامل الطبيعية والاقتصادية والمساحة وعدد السكان، إذ إن بعض البلدان يصل اعتمادها على المنتجات المستوردة إلى 80%، تؤكد المؤشرات الكلية وجود خلل كبير بين حجم الصادرات والواردات الغذائية على المستوى العربي.

ويتضح من خلال الارقام (نسبة العجز) بين قيمة الصادرات الغذائية الرئيسية التي بلغت 16 مليار دولار عام 2020 والواردات الغذائية الرئيسية، التي بلغت قيمتها 61.41 مليار دولار في العام نفسه بفارق بلغ 45.41 مليار دولار، كما يتضح حجم الفجوة بين الصادرات الزراعية والواردات التي بلغت 67.22 مليار دولار عام 2020

ويأتي القمح في المرتبة الأولى من حيث تأثيره على ارتفاع قيمة الواردات بنسبة 34.79%، ثم اللحوم بنسبة 12.90% والألبان ومنتجاتها بنسبة 12.37%

من خلال هذه المؤشرات يبدو العجز الغذائي واضحا، وقد يستمر في ضوء الأزمة الراهنة ونقص الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعارها خلال سنة 2022 وربما بعدها، وهو ما سيزيد من الأعباء المالية الناجمة عن تكاليف الاستيراد

بشكل عام، يقارب مؤشر الغذاء في العالم العربي المؤشر العالمي، وتبدو الدول العربية الخليجية ذات مؤشرات أمن غذائي عالية، لكن سد الحاجات الرئيسية يكلف معظم الدول العربية نفقات هائلة خصوصا مع الحرب الروسية على أوكرانيا والزيادة الهائلة في أسعار المواد الأساسية.

وإذا كانت بعض الدول -من غير دول الخليج العربي- قد استفادت أيضا من الزيادة القياسية في أسعار النفط والغاز، بما يمكنها من تحقيق التوازنات المالية، فإن بلدانا أخرى خصوصا تونس ومصر والمغرب ولبنان والأردن وسوريا واليمن ستشهد انخراما كبيرا في موازناتها وصعوبة في سد حاجياتها من الأسواق العالمية، بما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية، خصوصا إذا استمرت الأزمة وعمدت إلى مزيد من التقشف ورفع الأسعار والدعم عن المواد الأساسية

وتقدر المساحة الإجمالية للعالم العربي بحوالي 13.5 مليون كيلومتر مربع وهي تمثل 10.2% من مساحة العالم، وتقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بحوالي 220 مليون هكتار (نحو مليوني كيلومتر مربع) وهو ما يعادل 16.4% من المساحة الكلية للعالم العربي.

وتقدر مساحة الأراضي التي تُستغل في الزراعة بنحو 34% من إجمالي المساحة المتوفرة (220 مليون هكتار). ويمثل متوسط الإنتاج الزراعي العربي نحو 4% من الإنتاج العالمي.

وبلغ متوسط إنتاجية الحبوب الإستراتيجية (القمح والأرز والذرة والشعير) في المنطقة العربية نحو 1.6 طن للهكتار (مقابل 3.6 أطنان للهكتار عالميا)، وتساهم الزراعة بنحو 13% فقط من الإنتاج المحلي، بينما يشغل القطاع نحو 29 مليون نسمة،أي 33% من مجموع القوة العاملة البالغ عددها 117 مليون نسمة وفق تقديرات المنظمة العربية للتنمية الزراعية عام 2019

ورغم الضغوط الكبيرة التي ستسببها الأزمة، يمكن للبلدان العربية الأشد تأثرا بتبعات الحرب الدائرة في أوكرانيا على وارداتها من المواد الغذائية الاعتماد ظرفيا على أسواق بديلة وإبرام عقود جديدة ولو بتكلفة إضافية لا شك ستترك أثرها البالغ على توازناتها المالية وعلى المستوى المعيشي لمواطنيها.

لكن تحقيق الأمن الغذائي المستدام في وجه الأزمات الناشئة يتطلب مقاربة مختلفة وإستراتيجية طويلة الأمد تتجاوز المشاكل وأوجه القصور الراهنة، كما تحددها الدراسات والأبحاث في هذا المجال وتقارير الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.

المصدر : الجزيرة

مشاركة
تعليقات الزوار ( 0 )

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .