أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلاصاته الأولية بشأن ملاحظة محاكمة الصحفيان سليمان الريسوني وعمر الراضي على خلفية جنايات متعلقة بالعنف الجنسي.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان تسجيله في السنوات الأخيرة، ارتفاعا مقلقا لحملات الإساءة والتشهير والوصم ضد ضحايا أشكال الاعتداء والعنف الجنسيين، المحتملين أو الفعليين، لا سيما عندما يكون لمرتكب أشكال الاعتداء والعنف المذكورة وضع خاص في المجتمع.
وجاء في تقرير المجلس الوطني الذي تم تعميمه على وسائل الاعلام، “أن هذا الاخير ام بإجراء عشر زيارات للسيد سليمان الريسوني والسيد عمر الراضي، من ضمنها زيارة قام بها وفد عن المجلس بتاريخ 27 يونيو 2021 للسيد سليمان الريسوني، خلصت إلى كون حالته الصحية مستقرة، وآخرها زيارة قامت بها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء – سطات بتاريخ 3 غشت 2021، وهو التاريخ الذي أعلن فيه السيد الريسوني أنه “قرر إيقاف إضرابه عن الطعام” والعدول عن رفضه الخضوع للتكفل الطبي المحدد في حالات الانخفاض الحاد للسعرات الحرارية. وبتاريخ 7 غشت الجاري، أجريت للسيد الريسوني تحاليل طبية وفحوصات بالمستشفى، جاءت نتائجها جد مطمئنة”.
وشدد المجلس على أنه عمل على تتبع ظروف اعتقال المعتقلَين، والتدخل لتسهيل الرعاية المناسبة للمعتقلين، مع ضمان التواصل مع عائلتهما”.
كما كشف التقرير أن المجلس “أوفد فريقان من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء – سطات، لملاحظة 28 جلسة من جلسات محاكمة المتهمين، في المرحلة الابتدائية”، وعقد المجلس لقاء مع منسق دفاع عمر الراضي بشأن جلستين مغلقتين أثناء محاكمته.
وبحسب تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان، “وبناءً على محاضر الجلسات المحررة من قبل كاتب الضبط، وكذلك القرارات التي أصدرتها المحكمة بالقاعة، بالإضافة إلى المحاضر التي أعدها كاتب الضبط والشرطة القضائية المسلمة لإدارة المؤسسة السجنية؛
قدّم المجلس ملاحظات أولية، في انتظار تعميم خلاصاته النهائية بعد نشر الأحكام واستنفاد المسار القضائي.
وكشف التقرير عن ملاحظات المجلس الأولية المشتركة، أهمها “احترام شرط العلنية في المحاكمتين، واستفاء مسطرتي الاعتقال المقتضيات القانونية طبقا للمسطرة الجنائية؛ تقديم دفاعا المتهمين بطلب إجراء المحاكمتين حضوريا، وهو الطلب الذي تجاوبت معه المحكمة؛ إحترام الآجل المعقولة في المحاكمتين؛ إشعار المتهمان بالتهم الموجهة إلى كل منهما، وتمكن كل واحد منهما من الاتصال بمحام من اختياره، وتمكينهما من الوقت والتسهيلات اللازمة لإعداد الدفاع. كما استجابت المحكمة لطلبات التأجيل المتعددة التي قدمها دفاع كل متهم على حدة من أجل تحضير المحاكمتين”.
أما بخصوص محاكمة الصحافي سليمان الريسوني، قال المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره: “حضر السيد الريسوني الجلسات السبعة الأولى من محاكمته، إلى غاية الجلسة المنعقدة بتاريخ 15 يونيو 2021، ثم امتنع بعد ذلك عن المثول أمام المحكمة خلال الجلسات اللاحقة، مبررًا هذا الغياب بحالته الصحية، لتقرر المحكمة، التي اعتبرت أن مبررات عدم مثوله أمامها غير مقبولة، مباشرة المحاكمة بحضور الدفاع فقط وفي غيبة المتهم بعد إنذاره، كما هو محرر في محضر الشرطة القضائية الذي اطلع عليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفقا لمقتضيات المادة 423 من قانون المسطرة الجنائية”.
وتابع المجلس، “أعلن الدفاع انسحابه من الجلسة عقب قرار المحكمة مواصلة المحاكمة في ظل الغياب غير المبرر للمتهم. وبناء على هذا القرار أمر القاضي، في إطار إجراءات المساعدة القضائية، بتمكين المتهم من محامين لمؤازرته، وهو ما تمكن المجلس الوطني لحقوق الإنسان من التحقق منه. وفي هذا الإطار، عين السيد نقيب هيئة الدار البيضاء ثلاثة محامين، غير أن هيئة دفاع المتهم أعلنت أنها لم تسحب مؤازرتها، لينتفي بذلك سبب استفادة السيد الريسوني من المساعدة القضائية”.
مضيفاً، “وقد جدد الدفاع طلب إحضار المتهم وهو ما رفضته المحكمة، ليعلن الدفاع مرة أخرى انسحابه من الجلسة”.
وأشار المجلس إلى أنه “لم ينتج عن هذا الانسحاب أي أثر قانوني بموجب قانون تنظيم مهنة المحاماة، لذلك قررت المحكمة مواصلة الجلسة؛ رغم طلب الدفاع، تشبثت المحكمة بقرار مباشرة المحاكمة في غيبة المتهم، قياسا لأحكام المادتين 443 و446 من قانون المسطرة الجنائية”.
وحسب التقرير، “لم يُستدعى المتهم لجلسات المحاكمة اللاحقة، بعد تشبثت المحكمة بقرارها بناء على أحكام المادة 423 من قانون المسطرة الجنائية. وإعمالا لأحكام هذه المادة، كان السيد الريسوني يطلع، بزنزانته، على مضمون محضر كل جلسة من خلال كاتب الضبط”.
وأفاد التقرير، “أمر قاضي التحقيق بإجراء خبرة على التسجيل الذي قدمه المشتكي، ثم أدرج بعد ذلك التسجيل المذكور في الملف”.
وبتاريخ 9 يوليوز 2021، حسب التقرير، ” وجهت المحكمة للسيد الريسوني الأمر بحضور جلسة النطق بالحكم، كما تأكد من ذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وأمام رفضه، صدر الحكم في غيبته، لينتقل عنده بعد ذلك كاتب ضبط الجلسة لتلاوة منطوق قرار المحكمة”.
وحول الملاحظات الأولية التي رصدها المجلس بشأن محاكمة الصحافي عمر الراضي، يقول التقرير، “أمام الدفوعات الشكلية التي قدمها الدفاع بشأن مسألة عدم التوقيع على المحضر أثناء الاستماع للمتهمين من قبل الدرك الملكي، ردت النيابة العامة بأن المسطرة كانت سليمة، وفقًا لأحكام الظهير الشريف رقم 1.57.280، التي تنص على تدوين تصريحات أي شخص يجري الاستماع إليه في “كناش التصريحات”، الذي يتضمن توقيعات الأشخاص الذين يجري الاستماع إليهم؛ ولم يطعن الدفاع في مضمون التصريحات المدونة في الكناش المذكور”.
واضاف تقرير المجلس، “طلب الدفاع مثول شهود سبق استجوابهم من قبل قاضي التحقيق، وهو الطلب الذي رفضته المحكمة، مستحضرة اجتهادا لمحكمة النقض يفيد بأن المحكمة غير ملزمة باستدعاء شهود سبق مثولهم أمام قاضي التحقيق بعد أدائهم اليمين القانونية (قرار عدد 283 في الملف عدد 19016/99 الصادر بتاريخ 3/2/2000)”.
و”على الرغم من أن الوكيل العام استمع للمشتكية فور تقديم شكايتها، إلا أنه لم يكن هناك أي طلب لإجراء فحص للتأكد من حالتها الصحية وتوثيقها”، حسب ذات المصدر.
وسجل المجلس في تقريره انه “بناء على طلب الطرف المدني، انعقدت جلستان مغلقتان من ضمن جلسات المحاكمة.
وعلى الرغم من أن المحاكمتين الملاحظتين أجريتا وفق القانون وأحكام الفصل 110 من الدستور الذي بموجبه “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون”، يرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره، على ضوء ملاحظاته الأولية المذكورة، أن “هناك عناصر تطرح تساؤلات في سياق هاتين المحاكمتين، ليست لا خاصة بهاتين القضيتين ولا مرتبطة حصريا بهما، بل هي عناصر ناجمة عن نواقص وفجوات في القانون، لا سيما قانون المسطرة الجنائية في علاقته مع المعايير الدولية؛ فهاتين القضيتين لا تمثلان سوى دراستي حالة حول عدم مطابقة مقتضيات من القانون المذكور مع أحكام الدستور والمعايير الدولية المرتبطة بالمحاكمة العادلة، ولا سيما الفصل 120 من دستور المملكة والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل النقطة (ه) من فقرتها الثالثة حق المتهم في أن يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام”
وذكر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا السياق بأنه “يوصَى، وفقًا للمعايير الدولية في هذا الشأن، بالاستماع في ظروف معينة للإفادات التي يتم الإدلاء بها أمام المحكمة، بالإضافة إلى الإفادات التي يتم الإدلاء بها أثناء مرحلة التحقيق، وذلك من أجل تشجيع الشهود على الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة في جلسة علنية”.
وفي الأخير، أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن التكفل القضائي بضحايا الجرائم والجنح الجنسية يشمل الرعاية الطبية والنفسية للضحايا، إعمالا للفصل 117 من دستور المملكة، الذي ينص على أن القاضي يتولى “حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون”.
وعبر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في التقرير عن “انشغاله العميق بكيفية معالجة القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي في مجتمعنا، بشكل يخالف مبادئ وقيم وثقافة حقوق الإنسان”.
كما أدان ” بشدة حملة التشهير والتحرش والتحقير، المُسْتَعِرة وغير المسبوقة، التي كان ضحيتها المشتكية والمشتكي في هاتين القضيتين، فضلا عن القذف والاعتداء والتهديدات المتكررة التي مست بكرامتهما وعرضت سلامتهما وصحتهما ورفاههما للخطر”.
وأفاد بمعاينته “لانتشار قدر كبير من المعلومات الخاطئة وغير المدققة بشأن هاتين القضيتين، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وجدّد “توصيته بتجريم خطاب التشهير والتمييز والتحريض على الكراهية والعنف وعلى توصيته المتعلقة بوضع إطار قانوني مناسب لمكافحة المعلومات المضللة والأخبار الزائفة”؛
مذكّراً بأن “تصدير دستور المملكة والمادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يحظران تعرض أي شخص لأي شكل من أشكال التمييز أو الاضطهاد بسبب الجنس أو الهوية أو الانتماء الاجتماعي أو الرأي، خاصة بغرض ترهيبه أو إجباره على الصمت”.
وشدّد على أنه “لا المهنة ولا الشهرة ولا العلاقات ولا حتى آراء المعنيين، يمكن أن تشكل بمفردها عناصر لتأكيد أو نفي تهم بارتكاب جرائم و/أو جنح؛ كما لا ينبغي لها، بأي حال من الأحوال، المس بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون الذي يكفله الفصل السادس من الدستور”.
كما دعا المجلس هيئة العدالة إلى “ضمان تحكيم المقتضيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، عندما ترى ذلك مناسبا، إلى حين ملائمة قوانين المملكة مع المعايير الدولية وأحكام الدستور، كما ينص على ذلك تصدير الدستور”؛
وأوصى بتمكينه من حضور الجلسات المغلقة خلال المحاكمات التي يقوم بملاحظتها”.
تعليقات الزوار ( 0 )