الرئيسية أعمدة الرأي كيف تحكم 70 سنة وتستمر محبة الناس لك.. النموذج البريطاني

كيف تحكم 70 سنة وتستمر محبة الناس لك.. النموذج البريطاني

كتبه كتب في 21 شتنبر 2022 - 7:21 ص

الحسن عبيابة / وزير سابق وأستاذ التعليم العالي

لقد تابع العالم بأسره وفاة الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا العظمى، كما تابع مراسم وطقوس تشييع جنازتها لمدة عشرة أيام، اكتشف خلالها العالم مملكة عريقة بتاريخها القديم والوسيط والحاضر، حيث إتخذت مراسم التشييع والدفن شكلا من أشكال الاحتفال، لأن اللحظة تتطلب تشييع ملكة، وتعيين ملك جديد. لكن الملفت للانتباه هو الحرص الشديد من المواطنين البريطانيين على متابعة كل التفاصيل حضوريا، كما تبين بأن الشعب البريطاني يحب ملكته ويحترمها وحزن لفراقها، وفي هذا الإطار تم تسجيل العديد من الملاحظات تعتبر غاية في الأهمية، وهي أن جميع الأجيال حاضرة للوداع، وتحمل نفس الشعور ونفس الحمولة التاريخية والسياسية للحدث الجلل، فمن الصعب جدا أن تجد تفسيرا لطفل أو شاب حزين لرحيل ملكة لم يرها إلا سنوات قليلة، لكن التربية الوطنية بمفهومها التاريخي للدولة حاضرة بقوة عند الأباء والأجداد، لأن التاريخ لاتحرسه القوانين وإنما تحرسه التربية والتاريخ، ويبقى السؤال، ماهو السر الذي جعل من هذه الملكة تحب شعبها ويحبها لمدة 70 سنة؟ وهو رقم قياسي في الحكم، كما أنها الملكة الوحيدة التي عاصرت نهاية الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، والنظام الدولي الجديد، وظهور القطب الدولي الوحيد، وحروب إقليمية متعددة، كما عاشت صراعات مع الأقاليم المختلفة التابعة لها، وصولا إلى أزمة الحرب الأوكرانية الروسية. إنها استثناء في الشخصية واستثناء في تدبير الحكم، ويبدو أن بريطانيا عزلتها الجغرافية عن أوروبا، وعزلت نفسها بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي، للحفاظ على مقوماتها التاريخية والحضارية التي كانت سببا في بقاء قوتها الإقليمية والدولية، كما أن الملكية البريطانية تعتبر نموذجا ديموقراطيا يجمع بين الماضي والحاضر، ولم يتأثر كثيرا بديموقراطية أوروبا المتحمسة، التي أصبحت تبحث عن جلب الأصوات للحكم بدل جلب التنمية والإستقرار، كما يحدث في بعض الدول الأوروبية التي فقدت ديموقراطية الاستقرار والتنمية، وتمسكت بديموقراطية الابتزاز، مثل ما يحصل في فرنسا، وفي غيرها من بعض الدول الأوروبية. وبالعودة إلى النظام الملكي البريطاني، نجد أن الملك الحالي في بريطانيا له العديد من الصلاحيات المهمة جدا، والتي تعتبر هي أركان النظام السياسي في بريطانيا، حيث يتمتع الملك بما يلي:
. يضطلع ملك بريطانيا بدور أساسي بصفته رأس الدولة، حيث يُعد الملك رمزا للأمة والوحدة الوطنية والاستقرار.
. تعرف الملكية البريطانية بأنها ملكية دستورية، أي أن الملك هو رئيس الدولة ذو المنصب السيادي
. يعتبر ملك بريطانيا رئيسا للسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، بالإضافة إلى أنه القائد العام للقوات المسلحة، والحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا.
ومن ضمن صلاحيات الملك:

. الدعوة إلى إجراء الانتخابات العامة، وحل البرلمان واستدعائه للاجتماع،
. المصادقة على مشاريع القوانين التي يصدرها البرلمان والتوقيع عليها لكي تكتسب صفة النفاذ،
. ويمكن للملك رفض المصادقة على القوانين،
وقد إستخدم هذا الحق عام 1708 في عهد الملكة آن
. ويعد الملك هو المسؤول عن تعيين رئيس الوزراء، عقب أي انتخابات عامة أو في حالة استقالة سلفه لأي سبب.
. يحتفظ الملك بحق إعلان حالة الحرب،
. يمكن للملك إصدار عفو ملكي لتخفيف أحكام الإعدام.
. يُعد الملك فوق القانون ولا يمكن مقاضاته أبدا، كما لا يمكن محاسبته في القضايا المدنية.
. يعتبر الملك هو القائد العام للقوات المسلحة البريطانية، ويجب على كل أفراد القوات المسلحة أداء قسم الولاء للملك عند انضمامهم إلى صفوف تلك القوات، ويطلق عليهم “قوات صاحب الجلالة”.
. يمكنه تعيين الضباط في القوات المسلحة وطردهم من الخدمة، بالإضافة إلى تنظيم واستخدام القوات المسلحة
. يتمتع ملك بريطانيا بالمزيد من الامتيازات والصلاحيات، أبرزها حق منح ألقاب التكريم وبينها ألقاب الفرسان والنبلاء.
. يمكن للملك أيضا إصدار وسحب جوازات السفر،
. إن ملك بريطانيا لايحتاج إلى رخصة قيادة سيارة أو جواز سفر، رغم أن رُخص القيادة تصدر باسمه،

ومن خلال هذه الصلاحيات فإن ملك بريطانيا يسود ويحكم بتخويله صلاحيات أركان النظام السياسي العام الأساسية، كما أنه يحكم بالأعراف القانونية والسياسية التاريخية أكثر من القوانين التي جعلت من بريطانيا دولة عظمى، وللإشارة فإن هناك ملكيات في أوروبا (في كل من إسبانيا وبلجيكا والنرويج والدنمارك والسويد وهولندا)، حيث تعد بلدان هذه الملكيات من أرقى الدول وأكثرها استقرارا وتنمية في العالم، في حين تعيش معظم الجمهوريات الأوروبية إضطرابا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن هاجس انتخاب رؤساء هذه الدول، من حين لآخر لم يساعد على الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتبقى بريطانيا عظمى بتاريخها وحضارتها وأعرافها واستقرارها، وهي التي إستطاعت أن تحافظ على مكتسباتها في ظل نظام ملكي ضامن لحقوق الجميع، ونحن في المغرب كذلك نملك تاريخا عريقا جعل المملكة المغربية من بين أرقى دول العالم التي تمد لقرون، وجعلها شامخة بتاريخها المجيد، وبنظامها الملكي المتميز، الذي يضمن الأمن والأستقرار للشعب المغربي منذ قرون، رغم مناورات الإستعمار الفرنسي الذي نفى المغفور له محمد الخامس رحمه الله، وسيبقى الشعب المغربي متشبتا بثوابته الوطنية وبنظامه الملكي عبر السنوات والعقود المقبلة، وهو الضامن الوحيد لمستقبل الأجيال المقبلة.

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1 )
  1. العلوي اوسلام :

    السر هيا تربية الملكية لهم قعيد خاصة ليست طربيات رئيس أو رئيسة في العالم….

    إضافة تعليق تعليق غير لائق

أضف تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .