بقلم : رشيد الفانيس
لا يختلف إثنان على أن الاتصال والتواصل قديم قدم المخلوقات ،وبعيدا عن التعريفات المركبة التي يستخدمها المفكرون والمتخصصون في هذا المجال لتعريف العمليات التواصلية بمختلف تجلياتها اللفظية وغير اللفظية والمستقيمة دات الاتجاه الأحادي أوالدائرية ذات الأثر التفاعلي ، فإنني سأكتفي بالتعريف البسيط الذي اعتمده ارسطو في نموذجه التواصلي الذي بناه على الشخص القائم بالاتصال أي المرسل ،والرسالة أو الخطبة ،ثم المتلقي أو الجمهور، وهؤلاء هم العناصر الأساسية التي تتم من خلالهم عملية التواصل ،وهناك من أضاف الوسيلة التي من خلالها تتم عملية التواصل والتأثير ،وسماها بوسائل الاتصال الجماهيري والتي نعرفها نحن بوسائل الاعلام المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية وكذا وسائل التواصل الاجتماعي أو المنصات الاجتماعية التي أصبحت الوسيلة الاكثر إنتشارا في العالم و ألغت كل الاكراهات المتعلقة بالزمان والمكان ويرجع الفضل في ذلك إلى الثورة التكنولوجية الهائلة والطفرة الرقمية التي أصبح يعيشها العالم والتي أوصلته إلى محاكاة العقل البشري لانجاز أمور أكثر تعقيدا بسهولة بالغة وفي مدة زمنية قصيرة .
وحيث أن التواصل عملية اجتماعية صرفة يقوم بها الشخص داخل مجموعته سواء مع ذاته أومع الاشخاص المحيطين به في مجتمعه بشكل تلقائي نابع من ملكاته الوجدانية التي أوجدها الله فيه ، تبقى عملية الاتصال هي العملية التي تحظى باهتمام الباحثين لانها أضحت البديل الحقيقي للتواصل التقليدي بين البشرعلى الرغم من أنها تنبعث في أغلب تفاصيلها من عالم افتراضي محض ،حيث صنف المتخصصون هذه العملية التواصلية وفق ضوابط ومستويات للقائمين بها من خلال مستوياتهم المعرفية والثقافية والاجتماعية ووفق آرائهم ومعتقداتهم ،وشرحوا بإسهاب مبادئها وانواعها ووظائفها فأنواع التواصل متعددة ، فهناك التواصل اللفظي المبني على الخطاب سواء بالكلمة أو بالكتابة وغير اللفظي كالإشارة والتصوير وحتى بالأشياء كالملابس والديكورات أما وظائف التواصل فصنفها الخبراء في ثلاثة وظائف رئيسية وهي الوظائف التي تأسست عليها وسائل الاعلام عموما وعي الإخباروالتثقيف والتنشئة الاجتماعية والترفيه ومنهم من زاد عنها بوظيفة مراقبة البيئة والتسويق والاعلان واشترطو في القائم باللاتصال أن يتمتع بمهارات منها مهارات القراءة والكتابة والخطابة وحسن الإصغاء للآخر والقدرة على التحليل ووضع الامور في نصابها الحقيقي بما يضمن تأثر المتلقي بالرسالة التي يبعثها القائم بالإتصال ، وهنا تظهر قدرة القائم بالاتصال على تمييز وتحليل عقلية المتلقي وهو ما يصطلح عليه بقراءة الجمهور أو دراسة البيئة الإتصالية بكل تفاصيلها في الزمان والمكان وطبيعة الجمهور وهنا يتداخل دور علم النفس وعلم الاجتماع في التعامل مع هذه النماذج
وقد ساهم ظهور الإعلام والوسائط الاجتماعية في تطورحياة الناس بشكل عام وعملية التواصل بشكل خاص لاسيما مع ظهور التلفاز والسينما في منتصف القرن العشرين حيث كان له الأثر البليغ في تغيير نمط العيش لدى فئات عديدة من المجتمع في كل بقاع العالم إلا أن تأثير ذ لك كان محكوما بالوضع الاجتماعي لفئات دون أخرى ،أما مع مطلع القرن الواحد والعشريين ومع شيوع التكنولوجيا واقترانها بالإعلام والاتصال أصبح العالم قرية صغيرة وأضحت معه المعلومة متوفرة بشكل أوسع والجمهور هو المتحكم في اختيار المحتوى الذي يشبع رغباته ويرضي تطلعاته ويغدي آرائه المعرفية بما يتناسب ومعتقداته على عكس ما كان يتعرض له في السابق من حشو وتوجيه من طرف وسائل الاعلام وأضحى يأخد معلوماته من اكثر من مصدر بعيدا عن المنطق التقليدي لوسائل الاعلام الرسمية المبنية على مبدأ التأثير التراكمي وسياسة الغرس التي تعتمدها لتكريس الواقع السياسي والاجتماعي والتسويق للحاكم وسياساته وبالتالي التأثير في الجمهور من خلال طبيعة محتوياتها الاعلامية حيث كانت تبني سياستها الاعلامية من خلال النظريات السوسيولوجية التي تصنف الجمهور على أنه مجموعات متناثرة غير منسجمة لا تتفاعل فيما بينها ولا تتقاسم وجهات النظر والخبرات فيما بينها وأنها هي الموجه والمؤثر الوحيد في المجتمع قبل أن تتكسر هذه النظرية على صخرة التكنولوجيا وتؤكد بما لا يضع مجالا للشك أن الناس كتلة منسجمة تتقاسم العديد من المزايا والآراء وتؤثر أكثر مما تتأثر
تعليقات الزوار ( 0 )